زمن الإستنساخ لم يعد هناك شئ يحمل جوهره الحقيقي .. رحل بلا رجعة زمن آبن الخطاب و الناصر صلاح الدين ..
ماتت المروءة و الانسانية و شيع الضمير إلي مقبرة بلا عنوان .. و أمست الحياة كما الموت والدم كالماء وأصبح الأخ هو العدو .
خلق الرحمة حالة عابرة تجتاح قلوبنا في المواسم الدينية ويمر الموسم فيغلق عليها الصندوق .
ماتت القيم و الوازع الديني ضل طريقه و صرنا نشحت من الغرب الرحمة لنقتات الغذاء و نرتدي الكساء .
قررت منذ فترة أن أتوقف عن متابعة الأخبار وخاصة اخبار سوريا الشام .. لكي لا أسمع ولا أشاهد ما يفطر قلبي و يمزق روحي .. فما أقسى أن أشاهد وطني العربي يحتضر و خاصة أن المشهد دامي و الدمار و الموت صناعة آيادى عربية .
وللأسف ساقتنى الأقدار فوقع تحت يدي خبر أن إحدى الدول العربية كلفتها شجرة أعياد الميلاد 30 مليون دولار .. ياااالله !!!! وهناك 3 مليون إنسان يعانون في مخيمات البرد والجوع .
و أثرياء يقومون بتدفئة حظائر حيواناتهم و أسطبلات الخيول بينما يموتون السوريين أما غرقا وأما بردا .
أي حال هذه التي نعيشها !!
و بعدها أشاهد صورة رجل سوري عرض سيارته للبيع مقابل عشرة كيلو من الأرز أو خمس علب من الحليب .
آآآه قلبي و وجعي .. لقد أصابتني هستيريا من البكاء وتمنيت من كل قلبي لو أنني قطعت آلاف الكيلو مترات من بلدتى في مصر إلى سوريا سيرا فوق وجعي ، لأطعمه بيدي ، و محاولة مني لإيجاد طريق أو منفذ كي أعيد إليه الحياة .
آكاد أجزم أن لا أحد يشعر بهم وبمعاناتهم .. الغالبية إلا من رحم ربي إنحدروا من درجة الإنسانية إلى درجة آخرى لا أدري ماهيتها .
رغيف الخبز الفائض يمكن في هذا الوقت أن ينقذ إنسان من هلاك ، وبطانية قديمة يمكن لها أن تنقذ طفل يكاد قلبه يقف من شده البرد .
يتجسد الأحساس بإحساس الإنسان بأخيه الأنسان ، نتغنى بشعارات الأنتماء إلى دين الأسلام و خلق العروبة و الفروسية ونحن أبعد عن كل ذلك بسنين ضوئية ، بسلوك يتنافى مع فطرتنا كبشر .
ولا نكتفي بكل هذا البؤس إنما نضيف له وضعنا العربي الحالي ، يؤلمني العنف اللغوي الذي أصبح سمة نقاشاتنا .
قتال لفظي على صفحات التواصل الإجتماعي و كأن القتال على أرض الواقع لم يعد يكفينا ويشبع رغباتنا الدموية ، فأضفنا له ساحات للتناحر الإفتراضي !! إلى أي هاوية مصيرنا ونحن بهذه العقلية ؟؟
لذا أصبحت أتحاشى فتح أي موضوع له علاقة بسوريا أو العراق حتى وإن كان إنسانيًا بحتًا ، فمجرد لفظ إسم سوريا يحوّل الحوار إلي ساحة معارك ، لا قدرة لي على إطفاء نيرانها و إحتواء فحيح لهيبها .
خلافاتنا حتى في وجهات النظر تعمق الجرح وتزيد الإنقسام والإنشقاق ، وقوف كل فريق ضد الآخر جعلنا نصبح أعداء لأنفسنا .
مافعلناه ونفعله ببعضنا أسوأ ما يفعله بنا العدو ، لا آحد يهتم بالقانطون تحت الصقيع في خيم النزوح . في كل جزء عربي هناك جرح غائر ونزف مستمر ، ليست العراق وسوريا وحدهما بل اليمن والسودان .. وقبلهم فلسطين منذ زمن .. أستسلمنا للفتنة و أضعنا الوطن ، وماتت إنسانيتنا ..
ما آحوجنا اليوم إلى أن نرجع فقط إلى إنسانيتنا ونتجرد من كل شي من قومية أو طائفة أو حتي دين ..
الأصعب من كل هذا ، اللامبالاة التي بدأت تأخذ مكانا لها في قلوبنا ، وهذا التجاهل لمآسي ملايين البشر الذي يعيشون البرد والحر والمرض و الفقر المدقع والجوع القاتل ، يموتون الآن مكفنين بالثلوج بمحاذاة مباهجنا .
الزمن يدور دورته المعهودة ، وعلي الجمع الصامت ستدور البواغي .
أذكر جيدا عندما كان الفلسطينين يموتون ويقصفون ، و كذلك العراقيين ، كنا نفتح نشرات الأخبار قليلا ، فنحزن قليلا وقلما نذرف الدموع ، و بعدها نبحث عن برنامج ترفيهي أو مسلسل وننسى ما شاهدنا ، ونكمل حياتنا بشكل طبيعي .. فنضحك ونأكل ونسرف بالطعام ، فكم رمينا منه بالقمامة بلا أسباب .
أذكر كلمات تلك العجوز الفلسطينية عندما كانت يداها ورأسها مخضبتان بالدم قالت تلك الجملة ولم أنساها رغم صغر السن ومرور الوقت قالتها بحرقة قلب عظيمة ” تفرجو يا عرب علينا وأحنا عم نموت يارب يجي يوم ونتفرج عليكم ”
وصدقت العجوز والدائرة ها هى تدور .. من فلسطين الي العراق الي اليمن و سوريا و الأكيد أن الدور علي الجميع آت .
آرتضينا أن نحيا نحن و لا حياة لهم ، و نأكل و لا طعام لهم ، و ننام و النوم هجر عيونهم ، و نتفاخر ببيوتنا و لا مأوى لهم ،، نضحك و الحزن يمزق شرايينهم .
أصبحوا كالأشباح أجسادا بلا أرواح ، أكفانهم علي أكفافهم ، و الموت يطاردهم .
أحيانا أجلس و أحاور نفسي كما يفعل المجانين ، فرأسي يكاد أن يحترق من تلقاء رأسه فهو لا يطيق حال الأمة و لا يستطيع فعل شيء .
لا أدرى اين الضمير العربى ، و الأطفال يشردون أنه لشى يدمى القلب حد النزف ، كيف لا وصورة الطفل الذى لفظه البحر لم تبرح ذاكرتى ولا جوالى .
تلك الصوره التى حملتني لواد من الأحزان والحسرة لما آل إليه هذا الجزء العزيز على كل العرب .
ومع كل هذا الألم الذي نعيشه مازلنا نسقي شجر الأحقاد في بلادنا حتى أصبح هو أضخم الأشجار ،
ليتنا نستطيع إقتلاع هذه الأشجار و نبذر بذور المحبة والانسانية .
ما يحز في النفس أنى والكثير من الذين يرغبون في المساعدة لا يملكون غير الدعاء و البكاء و خبز يومهم … و بيننا و بين أخوتنا من أهل سوريا آلاف من الكيلومترات .
يقهر قلوبنا العجز و أننا مكتوفي الأيادي .. أضافه إلي لامبالاة الكثيرين .. نائمون لا يبالون بأخوانهم فى الدم والعروبة يشاهدون المشهد حيا وهم كالراقدون في الثري فلا بغداد أمست بغداد ولا الشام غدوت شام .
من أمة كانت تخشى أن تتعثر البغال فيها في بغداد إلى أمة كثر جياعها و موتاها بردا و جوعا و حسرة .
حتى التاريخ سيتبرء منا و لن يسجل .. فلو خط لكتب عن جبننا ، و إختناق إنسانيتنا ، غدرنا لإخواننا ،لكم الله أما الإنسان فزاده جبنه جبنا.
لقد مات كل جميل فينا ، أصبحنا نشاهد دفن أمواتنا بصمت و كأننا نؤيد ما يحدث ، و الدفن أصبح حرفتنا ، بصمت ندفن و بصمت نبكي ، و بصمتنا نؤيد و نشجب و نشجع جلادينا .
للعروبة حق أن تحرمنا العروبة ، فنحن عبء عليها و لها أن تخجل منا وتلفظنا ، و للوطن أن يحرمنا المواطنة ، و من حق جرحي و أرامل و شهداء الحرب العربية أن يتنصلوا من لون الدم الذي يجمعهم بنا .
هذا الوطن يموت صمتا لم يعد يسمع له صوتا .. آآآه فالوجع لاينسى ولا يموت ، وجع يصرخ صمتا .
اه من شعوب إعتادت الصمت مهما إشتدّ عليها الوجع والأنين .
آآآه من الوجع لقد فقدنا لغه الكلام ، و تحجرت قلوبنا ، و سقطت إنسانيتنا و تناثرت آدميتنا ، فتاه الصوت في الفراغ دون أن يلتفت إلينا أحد ولم يبقى إلا دقات قلب يكاد أن ينطفئ نوره مرددا حسبنا الله ونعم الوكيل .
آآآه من وجع لم ينم يوما ، و دموع حبيسة تنساب على وجنتي ، و قلب تؤنبه غفلة الأخوة ، و يؤلمه وجع الوطن فيجود بما إستطاع .
لكن العين بصيرة و اليد قصيرة و ما حيلة العبد المستضعف الذي يناجي و يرثي و حاله يرثى له ، ما حيلتنا فهل من مجيب أو هل من إغاثة .
ليت الإنسانية تقسّم وتوزّع ، تُرى كم أنقذت بشرا .
لكنها للأسف لا تباع ولا تشتري ولا تقسم أو توزع ، و الأسوأ أن قليلون هم الذين يشعرون بها .
الحب والعطاء يكون أحيانا بالدعاء ، ونحن ندعو لهم فى كل صلواتنا أن يرفع الله عنهم البلاء ، و أن يطعمهم و يدفئهم من زمهرير الشتاء ، قادر ربي علي ذلك ولو بعد حين .
إخوتي لا أملك لكم إلا الدعاء وذلك أضعف الإيمان ، سلام الله لك ياوطني .
كتبت / مها حامد